Thursday 18 February 2016

التسبيح بعد الصلاة باليمين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى اله عليه وسلم يعقد التسبيح قال ابن قدامة: بيمينه. رواه أبو داود، وابن قدامة: هو محمد بن قدامة بن أعين توفي سنة 250هـ قال النسائي: لا بأس به، ووثقه ابن حبان والدارقطني.
فهذا الحديث بزيادة ابن قدامة يدل على أن السنة عقد التسبيح باليمين، ولكن الحديث في بقية رواياته خال من هذه الزيادة، فلا حرج في عقد التسبيح باليدين لإطلاق غالب الأحاديث.
وما قلناه هو الذي أفتت به اللجنة الدائمة ونص الفتوى:
الأفضل أن يكون ذلك باليمين، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد التسبيح بيمينه، ولعموم حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجلة وطهوره وفي شأنه كله، ويجوز ذلك باليدين جميعاً لأحاديث وردت في ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عضو: عبد الله بن قعود.
عضو: عبد الله بن غديان نائب.
رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي.
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
والله أعلم.

الجواب :
الحمد لله
أولاً:
التسبيح بعد الصلاة باليمين من مسائل الخلاف المشتهرة ، وخاصة بين العلماء المعاصرين ، ويمكن حصر الأقوال في المسألة في ثلاثة أقوال :

الأول : أن السنَّة التسبيح باليمنى ، ولا يجوز التسبيح معها باليسرى .

وهو قول الشيخ الألباني رحمه الله .

الثاني : أن السنَّة التسبيح باليدين ، وعدم اقتصار التسبيح على اليمنى .

وهو قول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله .

الثالث : أن الأفضل التسبيح باليمنى ، وجواز التسبيح معها باليسرى .

وهو قول علماء اللجنة الدائمة .

سئل علماء اللجنة الدائمة :

هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسبِّح الله عز وجل بيده اليمنى فقط ، أو باليد اليسرى ، في حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح بيده ، في حديث آخر كان صلى الله عليه وسلم يسبح بيمينه ، هل هذان الحديثان صحيحان أم لا ؟ .

فأجابوا :

أمر الله تعالى في كتابه بالتسبيح ، وحثَّت السنَّة الثابتة عليه ، وبيَّنت فضله مطلقاً ومقيَّداً بزمن ، أو حال ، أما كونه باليد أو بأناملها : فقد روى في ذلك الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن يسيرة بنت ياسر رضي الله عنها - وكانت من المهاجرات - قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا نساء المؤمنات عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات ) - أحمد ( 6 / 371 ) وأبو داود ( 1501 ) والترمذي ( 3583 ) - ، وروى الترمذي - ( 3486 ) - من طريق الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح ) وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث الأعمش عن عطاء بن السائب قال : وروى شعبة والثوري هذا الحديث عن عطاء بن السائب بقوله ، ورواه أبو داود - ( 1502 ) - عن عبيد الله بن عمر بن ميسرة ومحمد بن قدامة في آخرين قالوا : حدثنا عثام عن الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح ) قال ابن قدامة : ( بيمينه ) .

من هذا يتبين للسائل ألفاظ الروايات التي روي بها هذا الحديث ، وليس بينها تناف ، بل بعضها مجمل وبعضها مبيَّن مفسَّر ، ويشهد لاختيار التسبيح باليمين : عموم حديث عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله ) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة .

والأمر في ذلك واسع ، ولا حرج في استعمال أنامل اليدين جميعاً كما هو ظاهر من حديث يسيرة المتقدم ، ولكن استعمال أنامل اليد اليمنى في ذلك أفضل ؛ لما تقدم .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 7 / 105 – 107 ) .

ثانياً:

لعل أعدل الأقوال في هذه المسألة هو التوسط فيها ، فيقال : إن الأصل أن يكون عقد التسبيح باليد اليمنى ؛ فإنه ، ومع التسليم بأن رواية : ( بيمينه ) في صحتها نظر ، من حيث الصنعة الحديثية ، فإن الرواية المحفوظة في الحديث : ( بيده ) ليس فيها أنه كان يعقد التسبيح بيديه جميعا ، وإلا لقال : ( بيديه ) ، فترجح أن يكون المراد بها إحدى اليدين ، ولا قائل بأنها اليسرى فقط ، فيترجح ـ أو يتعين ـ أن تكون ( اليد ) هنا هي ( اليمين ) ، لما هو معلوم من قاعدة الشرع  في مثل ذلك : أن تقدم فيه اليد اليمنى .

قال الإمام النووي رحمه الله :

" قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : يستحب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم كالوضوء والغسل ولبس الثوب والنعل والخف والسراويل ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود والأخذ والعطاء وغير ذلك مما هو في معناه . ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك كالامتخاط والاستنجاء ودخول الخلاء والخروج من المسجد وخلع الخف والسراويل والثوب والنعل وفعل المستقذرات وأشباه ذلك .

ودليل هذه القاعدة أحاديث كثيرة في الصحيح ، منها :

حديث عائشة رضى الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله ) رواه البخاري ومسلم .

وعن عائشة أيضا قالت : ( كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه ، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى ) . حديث صحيح رواه أبو داود وغيره باسناد صحيح " انتهى . "المجموع شرح المهذب" (1/418) ، وينظر: رياض الصالحين (405) .

ومع ذلك فالأمر كله في دائرة المستحب والأفضل ، كما حكى النووي قاعدة الباب عن أهل العلم ، وليس هو في دائرة المخالفة  والمعصية ، كما قد يقول من يلزم بالتسبيح باليمنى ، لا  سيما وعموم

قوله : ( بالأنامل ) يشمل أنامل اليدين جميعا ، كما تقدم ذكره .

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

عن عد التسبيح هل يكون باليد اليمنى فقط ؟ .

فأجاب :

السنَّة أن يسبِّح باليمنى ؛ لأن هذا هو ما رواه أبو داود من أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كان يعقد التسبيح بيمينه ) ، ولكن لا ينبغي التشديد في هذا الأمر بحيث يُنكَر على من يسبِّح بكلتا يديه ، بل نقول : إن السنَّة أن تقتصر على اليمين ؛ لأن هذا هو الذي ورد عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولأن ذلك أفضل وأكمل ؛ لأن اليمين تقدم في الأمور المحمودة ، واليسرى في الأمور الأخرى .

" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 13 / 243 ) .

والله أعلم

No comments:

Post a Comment