Thursday 3 September 2020

هل يجوز جعل ثواب فرضه لِغَيره؟

هل يجوز جعل ثواب فرضه لِغَيره؟
-------------------------------
--------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله 
إلى فضيلة الأخ شكيل منصور القاسمي! 
ما هو قول العلماء في هبة ثواب صلوة الفريضة للمتوفي؟
هل يستوي فيه الفريضة والنافلة ؟ أم تفترقان في الحك
رأيت فتاوى العلماء بعضها تخص جواز إهداء الثواب بالنافلة وبعضها تعم بين الفريضة والمكتوبة . فما هو الراجح الأصح عند السادة الحنفية في هذه المسألة ؟ بينوا مصحوباً بالدلائل . والله يجزيك خيرًا
أبو زينب عطاء البرودوي 
الجواب وبالله التوفيق:
اتفق العلماء على جواز إهداء ثواب العبادات المالية للغير مثل الصدقة والإعتاق.
واختلفوا في نقل ثواب العبادات البدنية مثل الصلوة والصوم هل يجوز أم لا؟ 
فأجاز الإمام أبوحنيفة وأحمد وطائفة من أصحاب مالك والشافعي إهداء ثواب القربات البدنية للغير كمثل العبادات المالية؛ فمن صام وصلى وقرأ وجعل ثوابه لميت جاز ذالك ويصل ثوابه للموهوب له من الحي والميت بإذن الله. فمذهب الحنفية والحنابلة وصول ثواب جميع الطاعات إلى الميت بدنية كانت أو مالية.
وخالفهم في ذالك أكثر أصحاب مالك والشافعي ومنعوا وصول ثواب العبادات البدنية إلى الغير . وإنما أجازوا ذالك في العبادات المالية فقط
 جاء في [الدرالمختار وحاشيته لابن عابدين 2/ 243]: "صرح علماؤنا في باب الحج عن الغير بأن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوماً أو صدقة أو غيرها".
وجاء في كتاب [المبدع في شرح المقنع 2/ 281] من كتب الحنابلة: "قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر، ويقرءون، ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعاً، وكالدعاء والاستغفار".
يقول ابن القيم في كتاب "الروح"(ص 168):
"والعبادات قسمان: مالية وبدنية، وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية، ونبه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية، وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار". اهـ
أما قضاء الصلاة عن أحد فلا يصح أن يصلى أحدٌ عن أحد فرضًا ولا نفلًا، ولكن إذا صلى وصام  وأهدى ثواب الصلاة والصوم له فجائز ذاك - جاء في تبيين الحقائق للزيلعي تحت باب الحج عن الغير: 
الأصل فى هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاةً كان أو صوماً أو حجاً قراءةَ قرآنٍ أو أذكاراً إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، و يصل ثوابُ ذلك إلى الميت وينتفع به. تبيين الحقائق [419/2]، [الهداية 178/1] [فتح القدير شرح الهداية 66/3]
القائلون بنقل ثواب الصلاة إلى الغير أطلقوا بذكر الصلوة والزكاة والحج والصوم "صلاةً كان أو صوماً أو حجاً" فعموم إطلاقهم يشمل القربات الواجبة والنافلة كلتيهما. ولايختص عندنا جواز إهداء الثواب بالنافلة فحسب. فمن صلى فرضًا وطلب من الله تعالى أن يمنح ثوابه فلانًا حياً كان أو ميتًا جاز له ذالك. يتأدى الفرض عن الفاعل ويكون متبرعا ثوابه فحسب.
في البحرالرائق شرح الكنز 63/3:
(باب الحج عن الغير) لما كان الحج عن الغير كالتبع أخره، والأصل فيه أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو قراءة قرآن أو ذكرا أو طوافا أو حجا أو عمرة أو غير ذلك عند أصحابنا للكتاب والسنة أما الكتاب فلقوله تعالى {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}، وإخباره تعالى عن ملائكته بقوله {ويستغفرون للذين آمنوا} وساق عبارتهم بقوله تعالى {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك } إلى قوله {وقهم السيئات}، وأما السنة فأحاديث كثيرة منها ما في الصحيحين {حين ضحى بالكبشين فجعل أحدهما عن أمته}، وهو مشهور تجوز الزيادة به على الكتاب ، ومنها ما رواه أبو داود {اقرءوا على موتاكم سورة يس} وحينئذ فتعين أن لا يكون قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} على ظاهره ، وفيه تأويلات أقربها ما اختاره المحقق ابن الهمام أنها مقيدة بما يهبه العامل يعني ليس للإنسان من سعي غيره نصيب إلا إذا وهبه له فحينئذ يكون له ، وأما قوله عليه السلام: {لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد} فهو في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب فإن من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة كذا في البدائع وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره لإطلاق كلامه. ولم أر حكم من أخذ شيئا من الدنيا ليجعل شيئا من عبادته للمعطى وينبغي أن لا يصح ذلك وظاهر إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق بين الفرض والنفل فإذا صلى فريضة وجعل ثوابها لغيره فإنه يصح لكن لا يعود الفرض في ذمته ; لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته، ولم أر منقولا. انتهى 
وقال ابن عابدين رحمه الله: "وفي البحر: من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة كذا في البدائع".
ثم قال: وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا.
والظاهر: أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل: للغير، أو يفعله لنفسه ، ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره؛ لإطلاق كلامهم. وأنه لا فرق بين الفرض والنفل. اهـ.
وفي جامع الفتاوى: وقيل: لا يجوز في الفرائض اهـ.
وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية، ما حاصله: أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحي؛ فقيل يصح، لإطلاق قول أحمد: يفعل الخير ويجعل نصفه لأبيه أو أمه. وقيل لا؛ لكونه غير محتاج لأنه يمكنه العمل بنفسه .
وكذا اختُلف في اشتراط نية ذلك عند الفعل، فقيل: لا، لكن الثواب له، فله التبرع به، وإهداؤه لمن أراد، كإهداء شيء من ماله .
وقيل: نعم؛ لأنه إذا وقع له، لا يُقبل انتقاله عنه. وهو الأولى.
وعلى القول الأول: لا يصح إهداء الواجبات، لأن العامل ينوي القربة بها عن نفسه.
وعلى الثاني: يصح، وتجزئ عن الفاعل" انتهى من حاشية ابن 
عابدين (2/ 243).
وقد نقل عن جماعة أنهم جعلوا ثواب أعمالهم للمسلمين، وقالوا: نلقى الله -تعالى- بالفقر والإفلاس، والشريعة لا تمنع من ذلك، ولا يشترط في الوصول أن يهديه بلفظه كما لو أعطى فقيراً بنية الزكاة، لأن السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم إذا فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق ويصح إهداء نصف الثواب أو ربعه كما نص عليه أحمد، ولا مانع منه، ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل منهم ربعه فكذا لو أهدى الربع لواحد وأبقى الباقي لنفسه. انتهى ملخصاً من حاشية ابن عابدين (2/ 243).
وقال أيضاً: وفي البحر بحث أن إطلاقهم شامل للفريضة لكن لا يعود الفرض في ذمته لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته. انتهى.
على أن الثواب لا ينعدم كما علمت، وسنذكر فيما لو أهل بحج عن أبويه أنه قيل إنه يجزيه عن حج الفرض، وهذا يؤيد ما بحثه في البحر.انتهى -
والعلامة علي بن محمد بن علي الخزرجي (ابن غانم المقدسي الحنفي) المتوفى : 1004 هـ
خص إهداء الثواب بالنافلة دون الفريضة في كتابه "أوضح رمز على نظم الكنز" قائلا: وأما جعل ثواب فرضه لغيره فمحتاج  إلى النقل .انتهى 
من هنا خص بعض العلماء إهداء الثواب بالنوافل.
ورُدّ قول المقدسي في احتياج النقل بما نقل الشامي عن الشرنبلالية في حاشية البحر :
يقول في حاشيته محمد بن عابدين الشامي :
(قول المصنف: ومن أهل بحج عن أبويه فعين صح) قال: في الشرنبلالية يفيد بطريق أولى أنه إذا أهل عن أحدهما على الإبهام له أن يجعلها عن أحدهما بعينه كما في الفتح وتعليل المسألة بأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما يفيد وقوع الحج عن الفاعل فيسقط به الفرض عنه ، وإن جعل ثوابه لغيره قال في الفتح : ومبناه على أن نيته لهما تلغو بسبب أنه غير مأمور من قبلهما أو أحدهما فهو معتبر فتقع الأعمال عنه ألبتة ، وإنما يجعل لهما الثواب .انتهى 
فهذا نقل صريح بأن من أبهم إحرام الحج حيث نوى الأبوين أو الأجنبي مبهما ولم يكن مأمورًا من أحد.وبعد الحج عيّن إحرامه ونوى الحج عن أحد الأبوين معينا أو عنهما فالحج يقع فرضا عن الفاعل وإنما يصل ثواب الحج الفرض إلى أبويه 
في حاشية البحر:
قوله : ومن أهل بحج عن أبويه فعين صح); لأنه جعل الثواب للغير، وهو لا يحصل إلا بعد الأداء فالنية قبله لهما لغو فإذا فرغ وجعله لأحدهما أو لهما فإنه يجوز بخلاف ما إذا أهل عن آمريه ثم عين لما تقدم أنه صار مخالفا .(حاشية البحر الرائق شرح كنز الدقائق 73/3)
يقول الشامي في رسالته:
لكن يؤيد الإطلاق مافي حاشية الشرنبلالي على الدرر عند قول المتن ومن أهل بحج عن أبويه فعين صح. حيث قال وتعليل المسألة بأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما يفيد وقوع الحج عن الفاعل فيسقط به الفرض عنه وإن جعل ثوابه لغيره. قاله في الفتح ومبناه على أن نيته لهما تلغو بسبب أنه غير مأمور من قبلهما أو أحدهما فهو معتبر فتقع الأعمال عنه ألبتة، وإنما يجعل لهما الثواب .انتهى 
مجموعة رسائل ابن عابدين 166/1
فكما أن حج الفرض يقع عن الفاعل ويصل ثوابه لغيره بعد الإهداء  هكذا حكم القربات الواجبة من الصلوة والزكوة وما شابهما يجوز نقلها ثوابها للغير. ولا دليل هنا باختصاص النوافل في الجواز دون الواجبات. هذا القول هو الراجح الأصح عند الحنفية. ولا يعتد بما نقل بصيغة التمريض في جامع  الفتاوى: "وقيل لايجوز في الفرائض" 
ودارالافتاء في جامعتنا الأم دار العلوم بديوبند أصدرت فتوى جواز إهداء الثواب في القربات المكتوبة مثل النوافل ولاتفرق بينهما في الجواز. وكفى بها مرجعا في النوازل.هذا ماتيسّرلي.والله أعلم وعلمه أتم وأكمل بالصواب۔
14/1/1442 ہجری



1 comment: